لقد قرأت مقال أخي المهندس خالد الشعيل المفيد جداً عن تأثير الغبار في المملكة على استخدامات الطاقة الشمسية "
العوالق الترابية تحديات جديدة تواجه إنتاج المياه والكهرباء عبر الطاقة الشمسية" وهو ما ينطبق على دول الخليج العربي بصفة عامة. بعد ذلك قمت بمراقبة الطقس عندنا في الكويت بنظرة تختلف عن السابق حيث قمت فعلاً بالتمعن في حالة الجو خاصة أن موسم الغبار قد بدأ فعلاً بالكويت وخرجت بعدة ملاحظات وتساؤلات سأذكرها لاحقاً في موضوعي هذا بعد أن أذكر ما فكرت به بخصوص طرق حل مشكلة الغبار والتى تشمل أيضاً الحلول التى ذكرها مهندس خالد.
إن الحلول التى طرحت مثل الصيانة الدورية والتكنولوجيا الحديثة في مجال إنتاج مواد الخلايا الشمسية وطرق طرد الغبار من على سطحها بلا شك سوف تساهم بشكل كبير بتخفيف تأثير الغبار على أجهزة الطاقة الشمسية وهي حلول لابد من تطويرها و نحن بحاجة ماسة لها في هذا المجال. والسؤال هنا "هل هذه الحلول كافية؟"
قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أذكر بأني بحثت في الإنترنت عن كيفية تعامل الإنسان مع عوامل الطقس والكوارث المصاحبة له فخرجت بنتيجة أذهلتني وهي بنظري مهمة جداً بل قد تقودنا إلى مجال آخر يضاف إلى مجال الحلول المذكورة أعلاه.
أن حل هذه المشاكل يكمن في اتجاهين لا ثالث بينهما، و كلا هذين الإتجاهين متساوين بالاهمية.
سوف أشرح هذين الاتجاهين بضرب مثالين لدولتين يعانيان من نفس المشكلة ولكنهما قدما حلين مختلفين لها وكلا الحلين يكمل احدهم الآخر.
لنبدأ بالحل الأول والذى يعالج مشكلة الفيضانات في الجانب الشرقي من العالم في بنغلادش:
في الصورة التالية نرى تأثير الفيضانات على أرض بنغلادش ككل
صورة (1)
إضغط على الصورة لتكبيرها
في الخريطة العليا نرى أرض بنغلادش كاملة قبل حدوث الفيضانات عليها، ثم نرى نفس الخريطة بعد حدوث الفيضانات وغمور مياه البحر لها. نلاحظ أيضاً أن نسبة الأراضي المتأثرة والمغمورة تبلغ حوالى 16% من إجمالي مساحة بنغلادش ويتأثر بها حوالي 15% من إجمالي السكان هناك.
لنرى الآن ماذا فعل السكان هناك لحل هذه المشكلة :
صورة (2)
إضغط على الصورة لتكبيرها
لقد تم رفع هذه البيوت بواسطة أعمدة اسمنتية بما لا يقل عن مترين تجنباً لمياه الفيضانات. وفعلاً تم حفظ هذه المنازل في فترة الكوارث ولكن المحاصيل الزراعية تلفت كلها.
إذن يمكن تلخيص جهد السكان في بنغلادش بمحاولة علاج أثر الفيضانات وكان حلهم هذا محدوداً فقط في المنازل المرفوعة القليلة العدد و بعض المتاريس حول الشواطئ ولم يكن علاجاً لتلف المحاصيل
لنرى الآن حل آخر تم تنفيذه بالجانب الغربي من العالم في هولندا:
في الصورة التالية نرى أرض هولندا قبل حدوث الفيضانات
صورة (3)
إضغط على الصورة لتكبيرها
والآن في الصورة التالية نرى مدى تأثير الفيضانات على أرض هولندا ككل
صورة (4)
إضغط على الصورة لتكبيرها
في الصورة أعلاه نرى أن نسبة أراضي هولندا المغمورة بمياه الفيضانات تبلغ أكثر من 60% وكذلك نسبة تأثر السكان عالية جداً فماذا فعل الهولنديون؟
في الصور التالية نرى ما عملته هولندا للتحكم بمياه الفيضانات:
مجموعة صور (5)
إضغط على الصور لتكبيرها
في مجموعة الصور أعلاه نرى أجزاء من منظومة السدود المتحركة التى أقامتها هولندا في عرض البحر لحمايتها في حالة حدوث الفيضانات وتم لها ذلك فقد عملت هذه السدود كما ينبغي لها أن تعمل ولم تتأثر أراضي هولندا منذ ذلك الحين.
الصورة التالية تبين مناطق عمل هذه السدود لتوفير الحماية اللازمة لهولندا
صورة (6)
إضغط على الصورة لتكبيرها
في الصورة أعلاه نرى الخطوط الحمراء التى تمثل السدود ويعتبر بناء هذه السدود من معجزات التكنولوجيا في القرن العشرين ويعتبر هذا حل لأصل مشكلة الفيضانات حيث تعمل هذه السدود على منع وصول مياه الفيضانات إلى هولندا وقد تم لها ذلك إلى وقتنا الحاضر.
لدينا الآن مثالان لطريقتين مختلفتين لعلاج مشكلة واحدة، الأولى تعالج آثار الفيضانات والثانية تمنع حدوثها.
لنرجع الآن إلى مشكلتنا الرئيسية ألا وهي الغبار. إن الحلول التى ذكرت في المقال هي من أهم سبل التغلب على مشكلة الغبار المتساقط ولكننى أعتقد بأنه من المهم جداً أيضاً علاج ومحاولة منع تكون الغبار في المقام الأول، ولم لا؟ مالذى يمنع؟
كما ذكرت في بداية موضوعي بأنني كانت لدي عدة ملاحظات عند مراقبتي للغبار في الكويت حيث بدأ موسم الغبار عندنا. لاحظت أن الغبار أنواع و أن حبيبات التربة الرملية عندنا كبيرة نسبياً فمنها ما لا تستطيع الرياح حمله بل تدحرجه أو يرتفع قليلاً فيلسع القدمين أو يرتفع قليلاً فيؤذي الوجه ولكنه لا ينتقل إلى مسافات طويلة. و أيضاً لاحظت الغبار الذى تثيره السيارات التى تسير على طرق رملية أصبحت تربتها أنعم قليلاً بفعل دهس السيارات لها ويرتفع هذا الغبار إلى مستوى أعلى ولكنه لا ينتقل إلى مسافات بعيدة. أن الغبار الناعم والذى يصل إلى ارتفاع كبير هو المسبب الرئيسي للمشكلة. هذا الغبار يكون صغيراً جداً مثل البودرة وتستطيع الرياح حمله و نقله ألى مسافات شاسعة وينتقل من دولة ألى أخرى مسبباً الأضرار و هو المعضلة التى تواجهها مشاريع الطاقة الشمسية.
لقد وجدت الصور التالية أثناء بحثي في الإنترنت
صورة (7)
إضغط على الصورة لتكبيرها
صورة (8)
إضغط على الصورة لتكبيرها
في الصورة (7) أعلاه نرى بداية تكون العاصفة الغبارية في العراق عند المنطقة الحدودية مع سوريا، وفي الصورة(8) نرى مسار الغبار حتى وصل إلى مدينة الكويت و بعض أجزاء إيران.
ما نستفيده من هذه الصور كثير ومهم جداً وأهمه هو إمكانية تحديد أماكن و مصادر تكون الغبار بدقة، قد تكون هذه الأماكن كثيرة وكبيرة المساحة ولكن إذا كانت لدينا قاعدة بيانات لأقل الأراضي تأثراً بالغبار في بلداننا فإنه سوف يكون بأمكاننا فهم هذه المشكلة بشكل أكبر.
قد يقول البعض أن هذه الأماكن كبيرة وشاسعة ومتعددة سواء كانت في العراق أو سوريا أو الأردن أو في بلدان الخليج أو حتى في أي مكان آخر. ولكني أكاد أجزم بأنه إذا كانت لدينا قاعدة بيانات عن سرعة واتجاه الرياح و حالة الطقس و عواصف الغبار وغيرها من البيانات المهمة فإنه سوف يكون بإمكاننا تحديد المصدر أكثر إزعاجاً وتصديراً للغبار لنا ثم الذى يليه ثم الذى يليه وهكذا.
فإذا كان لدينا حوالي 50% من أيام السنة غبار فإنه قد يمكن تقليل هذه النسبة عن طريق معالجة أكثر هذه الأراضي إثارة للغبار ومحاولة إصلاحها لتقليل تصدير الغبار منها و إلينا. أننا قد لا تحتاج إلى معالجة كل شبر أو متر مربع من هذه الأراضي ولكن قد يكون بالإمكان علاج أجزاء منها مما يحول من تكون الغبار بالشكل الكبير الذى يؤثر في بلاد المصددر والبلدان المجاورة.
ومن المؤكد أيضاً أنه لن يكون هناك طريقة واحدة أو حل واحد يقضي على هذه المشكلة بل أنه سوف تكون هناك مجموعة حلول يكمل بعضها البعض وتساهم مجتمعة بتوفير العلاج لهذه المشكلة.
أود أن أذكر الآن بعض الطرق المستخدمة حالياً في العالم لتثبيت التربة المتفتتة:
أولاً الزراعة:
إن الزراعة تعتبر من أهم الحلول لمعالجة تفتت التربة و من المهم جداً أن تكون النباتات والأشجار المزروعة من نفس بيئة الأرض التى نريد تثبيتها حتى تستطيع العيش في هذه البيئة ولا تكون دخيلة عليها فتحتاج إلى تدخل الإنسان بصفة دائمة لتوفير الماء الذي قد لا يكون متوفراً وكذلك الأسمدة. أود أن أشبه هذه الأشجار التى تكون من نفس بيئة الأرض بزراعة الأعضاء في جسم الإنسان لابد لها من أن تكون متوافقة مع الجسم المراد زرعها به كفصيلة الدم وغيرها من المواصفات حتى لا يرفضها الجسم.
يوجد لدينا مثال واقعي لزراعة الأشجار بمقياس كبير ألا وهو المشروع الذى أمر به الشيخ زايد آل نهيان رحمه الله بزراعة 40 مليون نخلة في أبوظبي و كذلك في دول العالم المتقدم تم زرع مساحات شاسعة بالأشجار بسرعة فائقة و كفاءة عالية ابتداءاً من زرع الشتلات في أماكن محمية حتى يشتد ساقها ومن ثم تزرع بواسطة المكائن بطريقة سريعة جداً كما هو في رابط الفيديو التالي:
http://www.youtube.com/watch?v=wfFwXhxMhbQ&feature=related
وهناك أيضاً مكائن لنقل الأشجار الكاملة النمو مع تربتها من موقعها وغرسها مع تربتها في موقع آخر كما هو في روابط الفيديو التالية:
http://www.youtube.com/watch?v=SL6ARIxW5u0
http://www.youtube.com/watch?v=Lx9a6FmRV0U&feature=related
ثانياً مصدات أو مكسرات الريح:
إن زرع الأشجار كما ذكرت أعلاه وتوزيعها كشريط تلو الآخر يعتبر من مصدات ومكسرات الرياح الممتازة والتى تعمل على تخفيف سرعة الرياح و كذلك تثبت التربة.
أود أن أطرح هنا فكرة راودتني بهذا الخصوص ألا وهي عمل مصدات صناعية لتكسير الرياح. الجميع يلاحظ أن سرعة الرياح داخل المدن الكبيرة هي أخف من سرعتها في الصحراء. أنا لا أقترح هنا بناء مدن في الصحراء فقط لتحقيق هذا الهدف ولكني أقترح بناء حوائط بارتفاعات معينة و مدروسة وتوزع هذه الحوائط بطريقة ذات كفاءة عالية لتخفيف سرعة الريح ولقد رسمت الصورة التالية كمثال مبدئي لكيفية توزيع هذه الحوائط:
صورة (9)
إضغط على الصورة لتكبيرها
إن أطوال هذه الحوائط قد تبلغ عشرات أو حتى المئات من الأمتار ممتدة أفقياً والسؤال هنا: كيف سنبني هذه الحوائط؟
إذا بنيناها من اسمنت ستكون مكلفة جداً و ستكون مخربة للبيئة الصحراوية. ما سأقترحه الآن قد يكون فكرة جيدة لبناء هذه الحوائط:
لقد خلق الله سبحانه وتعالى بيئات مختلفة على وجه الأرض و خلق لها ما يناسبها من المواد التى تعمر هذه البيئات. إذن يتم بناء هذه الحوائط من نفس مواد البيئة التى ستبنى عليها، لننظر إلى الصورة التالية:
صورة (10)
إضغط على الصورة لتكبيرها
لقد كانت هذه مدننا في السابق وباعتقادي هي أفضل من الحالية. ما أود أن أقوله هنا أن أفضل طريقة لبناء هذه الحوائط في مناطقنا هي من الطين الطبيعي والذي يعمر لمئات السنين. لقد أعجبني الفيديو التالي الذي يبين كيفية صناعة الطابوق الطيني:
http://www.youtube.com/watch?v=yOHyCvMfE4A
إذا كان بالإمكان صناعة آلات ضخمة تستطيع نقل غابات و أشجار ضخمة كما بينت أعلاه فإنه بلا شك يمكن صناعة آلات تستطيع صنع كميات كبيرة من الطابوق الطيني و كذلك صنع آلات ضخمة تستطيع صف هذا الطابوق و عمل الحوائط بزمن قياسي.
ثالثاً تغطية التربة و سطح الأرض:
يمكن أيضاً أن تغطى مساحات شاسعة من الأرض بمواد طبيعية مثل الحصى وبقايا الرخام والجرانيت و أيضاً يمكن استخدام الطابوق الطيني المذكور أعلاه مما يساعد على منع تطاير الغبار في الهواء.
رابعاً تحديد محميات طبيعية:
يمكن أيضاً تحديد محميات شاسعة لا تدخلها السيارات والتى أعتبرها المخرب الرئيسي للبيئة الصحراوية. و ما يحدث في هذه المحميات من نمو طبيعي للأعشاب و النباتات الصحراوية مما يساعد في تثبيت التربة بشكل كبير.
هذه هي بعض من الأفكار التى قد تكون لها فائدة في تخفيف مشكلة الغبار في الأراضي المصدرة له. وخلاصة الأمر هي أن مشكلة الغبار هي مشكلة إقليمية تستوجب تضافر جهود دول مما يعود بالنفع لها جميعاً و إننا إذا حاولنا حل هذه المشكلة قد تفشل حلولنا المقترحة في البداية ولكننا سنتعلم من أخطائنا وسوف نبتكر من الحلول ما سينجح في تقليل نسبة الغبار و على مدى السنين قد ننجح في جعل أماكن خالية من الغبار معظم أوقات السنة وهذه الأماكن هي مواقع محطاتنا الشمسية.